نبذة عن الكتاب
وَقَفْتُ هُنَاك. وَكُنْتُ وَحْدِي. حَيثُلازَمَانَ وَلامَكَانَ وَلا اتِّجَاه. الحُضُورُ مُوحِشٌ، وَالأشْجَارُ القَصِيرَةُ اليَابِسَةُ أَدَارَتْ لِي ظَهْرَهَا وَظَلَّتْ تُحَرِّكُ أَغْصَانَهَا وَتَرْقُصُ رَقْصَةَ الموْتِ مَعَ الرِّيحِ المُسْتَبِدَّة. وَالزَّمَانُ تَوَقَّفَ يَهْزَأُ بِي، وَالشَّمْسُ اشْتَعَلَتْ فَوْقَ رَأْسِي. وَقَفْتُ هُنَاكَ مُنْكَسِرَاً. لا شَيْءَ يَجْبُرُ كَسْرِي وَلا بُكَاءَ يَغْسِلُ أَحْزَانِي. شَيْءٌ مَا يَعَضُّنِي فِي قَلْبِي. لَيْسَ حُزْنَاً فَقَدْ تَطَامَنَتْ مَوْجَاتُ الحُزْنِفَزَعَاً مِنْ هَذَا الذِي يَحْدُثُ فِي قَلْبِي حِينَ أَيْقَنَتْ أَنَّ بَحْرَهُ لُجِّيٌّ. نَظَرْتُ إِلى السَّمَاءِ عَلَّهَا تَقْتَرِبُ مِنَ الأَرْضِ فَأَطْمَعَ فِي نَقْلَةٍ مِنْ أَحْزَانِ الأَرْضِ إِلَى أَفْرَاحِ السَّمَاء. أَعْلَمُ أَنَّ أَحْزَانَ الأَرْضِ لا تَقْدِرُ عَلَيْهَا غَيْرُ أَفْوَاهِ السَّمَاءِ الضَّحُوكَة الرَّحِيمَة، وَلَكِنَّ السَّمَاءَ بَدَتْ بَعِيدَةً وَشَاهِقَةً، وَرَغْمَ ذَلِكَ فَقَدْ صَعِدَتْ إِلَيْهَا كُلُّ هَذِهِ الأرْوَاح. رَأَيْتُهَا هُنَاكَ فِي الأُفُقِ تَتَعَانَقُ مُمْتَلِئَةً سَكِينَةً وَطُمَأْنِينَةً وَحُبَّاً، قَبْلَ أَنْ تُوَاصِلَ رِحْلَتَهَا خَاشِعَةً تَنْظُرُ فِي مَرَايَا السَّمَاء، وَرُوحِي بَقِيَتْ هُنَا قَلِقَةً هَارِبَةً مِنْ نِهَايَاتِهَا، وَاجِفَةً مِنْ تَفْرِيطِهَا فِي هَذِهِ الأَرْوَاح، قَابِعَةً فِي دَرَكَاتِ التُّرَابِ، مَشْدُودَةً إِلَى أَوْتَادِ الأَرْض.